في تلك الليلة، كانت الأضواء النيون تتلألأ في غرفة الحفلات، والصوت يطن، وكانت في البداية متوجهة إلى اللقاء بشعور من الراحة المفقودة منذ زمن بعيد - كان من المفترض أن يكون مجرد تجمع لعدد قليل من الأصدقاء القدامى الذين يعرفون بعضهم جيدًا، ليغنوا بعض الأغاني القديمة ويتحدثوا ويضحكوا بحرية. لكن عندما فتحت الباب، وجدت أمامها بعض الوجوه الغريبة. قدم الأصدقاء الحماساء: "هؤلاء هم أصدقاء جدد!" شعرت في قلبها بصدمة، كأن الشاي الذي كانت تنتظره طويلاً قد انسكب فيه فجأة مشروب قوي، فتغير طعمه تمامًا. عندما جاء دورها لاختيار الأغاني، كانت مترددة، وعندما غنت، كانت تخفض صوتها، واهتمامها بالدردشة كأنه سُحب منها أكثر من نصفه. في تلك الليلة، رغم أن الأضواء كانت ساطعة، إلا أنها شعرت بالتعب في قلبها، كأنها دخلت حفلة غريبة وصاخبة.
مع تقدم العمر، يبدو أن شهية التواصل قد تغيرت بهدوء. عندما نمر بنصف الطريق في العواصف، ندرك أن حدود تلك الدائرة ليست ضيقة بسبب البرود، بل تم تصفيتها عبر الزمن، ونتعلم أكثر كيف نضع جهدنا المحدود بعناية على الأشخاص الذين يتوافقون حقًا مع شعور "الراحة" - التواجد مع الأصدقاء القدامى، كأنك ترتدي ثوبًا قديمًا، مريحًا ومناسبًا، دون الحاجة لبذل جهد لدعم وضع اجتماعي مشدود.
عندما نصل إلى منتصف العمر، لم يعد ينبوع الطاقة يتدفق كما كان في السابق. الطاقة النشطة التي كانت تسمح لنا بالتنقل بين عدة تجمعات، أصبحت الآن كالمياه الربيعية التي تتراجع، تاركةً وراءها تقديرًا واضحًا. كانت هناك مناسبة لتجمع قديم من الأصدقاء، كانت فرصة رائعة لاستعادة ذكريات الشباب. لكن فجأة، انضم إلى الطاولة وجهان غريبان، أصدقاء لأصدقاء، وكانوا يروجون لمنتج صحي. لذا، تحول الحديث على الفور، وتم قطع تدفق الذكريات الدافئة بشكل قاسي، واضطررنا للاستماع إلى مقدمة طويلة، وعندما انتهت تلك الليلة، تركت في قلبي شعورًا بالتعب المهدور. الطاقة ثمينة، ولا تتحمل الإسراف غير الضروري، وما كان يمكن التعامل معه بسهولة من الضجيج في الماضي، أصبح الآن عبئًا ثقيلاً على الروح. نتعلم أن نكون مثل البستانيين الذين يقصون الأشجار، ونتخلص بنشاط من تلك الفروع التي تستهلك طاقتنا، فقط لنسمح لجذع الحياة بأن يستقبل المزيد من ضوء الشمس والمطر.
أهداف التواصل أيضًا تتبلور بوضوح مع مرور الزمن. في شبابنا، كانت العلاقات الواسعة تهدف لبناء جسور واستكشاف إمكانيات لا حصر لها؛ لكن بعد منتصف العمر، نرغب أكثر في لقاء الأرواح التي يمكن أن تسير بجانبنا وتفهمنا حقًا على الجسر. في إحدى الرحلات القصيرة التي نظمها صديق قديم، كان الجميع قد خططوا بالفعل لمسارهم وإيقاعهم، يتطلعون إلى تلك المتعة المألوفة. لكن قبل الرحيل، تم إخبارهم فجأة بضرورة انضمام شخصين جديدين، بحجة "أن العدد الكبير يجعل الأمر أكثر حيوية". خلال الرحلة، تم إرباك الإيقاع، واختلفت نقاط الاهتمام، وبعض المحادثات العميقة التي كانت تتوق إليها القلوب، توقفت بسبب الخوف من الغرابة. وعند العودة من الرحلة، شعرت بالتعب أكثر من العمل - عندما يكون التواصل مجرد بحث عن الضجيج، يصبح كمن يشرب كوبًا من الماء الفاتر، لا يروي عطش الروح. قال السيد قينغ شيو: "الازدهار خارج الباب ليس ازدهاري." هذا الازدهار لا يشير إلى المادة، بل هو مجال اجتماعي صاخب وفارغ. الإحساس الحقيقي بالانتماء يمكن أن يُكتشف فقط في حديث دافئ حول المدفأة مع عدد قليل من الأصدقاء المقربين.
ولا داعي للحديث عن عصر انفجار المعلومات، و"دوائر الأصدقاء" التي لا تنتهي على الإنترنت. رسائل المجموعات تتدفق كالموجات ليل نهار، في البداية كان بإمكاننا بذل جهد للتفاعل، لكن بعد ذلك بدأنا نشعر بالعجز، وأصبحت أصابعنا تمر على الشاشة، بينما كانت العيون مليئة بالومضات السريعة. وفي يوم من الأيام، خرجت بهدوء من تلك المحادثات الجماعية التي لم تتحدث فيها أبدًا، وحجبت الإشعارات غير المهمة - في تلك اللحظة، كأنها تخلصت من عبء غير مرئي، وأصبح فضاء روحها منعشًا وواسعًا مرة أخرى. الحذف هو إعلان صامت، يعلن أنها لم تعد ترضى بأن تُختطف من قبل الضجيج غير الضروري، بل اختارت أن تسمع صوتها مرة أخرى من خلال تبسيط الأمور.
لذا، فإن هذا "التقليص" ليس انطوائية، بل هو "اختيار" ناضج. إنه سعي نشط نحو تجربة الحياة المضيئة المتمثلة في "الراحة في التواجد مع الآخرين". كما في رحلة سو دونغبو وزانغ هوي مين إلى معبد تشنغتيان ليلاً، حيث كان ضوء القمر كالماء، وظلال الخيزران والصنوبر تتحرك، كانت تلك اللحظة من "لكن القليل من الأشخاص غير المشغولين مثلنا" هي كنز لا يمكن استبداله بأي مكان صاخب. نحن لا نرفض العالم، بل لم نعد نسمح للعالم بتعريفنا بسهولة - نختار بنشاط الزوايا التي تسمح لروحنا بالتمدد، ونتشارك مع من يفهموننا نبضات قلوبنا الصامتة.
لذا، فإن دائرة التواصل بعد منتصف العمر هي عملية تقليل دقيقة نقوم بها بنشاط. نتخلص من الفخامة، ونتخلص من الضجيج، ونتخلص من تلك الفروع التي تستهلك طاقتنا، لنترك مساحة صافية تسمح للروح بالتنفس بحرية. اختيار الأشخاص الذين يشعروننا بالراحة هو ملاذ هادئ تسعى إليه الروح في عالم صاخب. الدائرة المبسطة ليست قاحلة، بل هي أزهار الحياة التي تتفتح بأكثر الطرق هدوءًا بعد تبسيط الأمور - إنها تتيح لنا في الوقت المحدود أن نتشارك مع الأشخاص المهمين حقًا، تلك الكأس من الزمن الغني والطويل.
مع تقدم السنوات، فإن تقليل دائرة التواصل بنشاط، والتواصل العميق مع من نشعر بالراحة معهم، هو حكمة الحياة، وأيضًا ما يتجه إليه القلب.