بدائل تبدو غير ضارة: صعود وسوء فهم المحليات الصناعية
على مدى العقود القليلة الماضية، ومع الزيادة الكبيرة في الأمراض الأيضية المزمنة مثل السكري والسمنة، أصبح الناس أكثر اهتمامًا بـ "التحكم في السكر" كما لم يحدث من قبل. لتلبية الرغبة في الطعم دون استهلاك السعرات الحرارية، ابتكرت صناعة المواد الغذائية أنواعًا مختلفة من المشروبات "الخالية من السكر"، باستخدام المحليات الصناعية بدلاً من السكر أو شراب الذرة عالي الفركتوز. بدأت الأسبارتام، والسكرين، والسكرالوز، والأسيسولفام تدخل حياة الناس بشكل متزايد.
المشروبات "الخالية من السكر" المتاحة في السوق هي نتاج هذه النفسية الاستهلاكية. عند سماع "خالي من السكر"، يصنف المستهلكون هذا المنتج ضمن فئة "المشروبات الصحية". بدأ العديد من الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالسكري، ومديري الوزن، وحتى الأطفال والمراهقين، في استهلاك هذه المنتجات بكميات كبيرة، على أمل تجنب "عبء السعرات الحرارية" الناتج عن المشروبات السكرية.
ومع ذلك، فإن الحقائق ليست كما هو متوقع. أظهرت دراسة كبيرة استمرت 14 عامًا نُشرت في مجلة "السكري والأيض" أن الأشخاص الذين يستهلكون علبة واحدة من المشروبات المحلاة صناعيًا يوميًا، زادت لديهم مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني بنسبة 38%. بالمقارنة، زادت المخاطر لدى من يشربون المشروبات السكرية يوميًا بنسبة 23%. هذه الاكتشافات تقلب الفهم العام لـ "الخالي من السكر يعني آمن".
تحذيرات البيانات: لماذا مخاطر المشروبات الغازية الخالية من السكر أعلى؟
تتبع هذا البحث الأسترالي أكثر من 36,000 شخص من حيث هيكل النظام الغذائي والتغيرات الصحية، مع تغطية عدة متغيرات مثل العمر، الجنس، مؤشر كتلة الجسم، والعادات الحياتية. قام الباحثون بمقارنة دقيقة بين ثلاث فئات من الناس: من يشربون المشروبات الغازية نادرًا، ومن اعتادوا على شرب المشروبات الغازية السكرية، ومن يفضلون المشروبات المحلاة صناعيًا.
أظهرت النتائج أنه على الرغم من أن العلاقة بين المشروبات السكرية ومخاطر السكري تتأثر بشكل رئيسي بـ "الوزن" - حيث تعتبر السمنة عاملاً وسيطًا، إلا أن مخاطر الإصابة بالسكري الناتجة عن المحليات الصناعية لا ترتبط مباشرة بالوزن. وهذا يعني أنه حتى لو لم يكن الشخص يعاني من زيادة الوزن، فإن الاستهلاك طويل الأمد للمشروبات الغازية الخالية من السكر يمكن أن يزيد بشكل كبير من مخاطر الاضطرابات الأيضية.
ما يثير الانتباه أكثر هو أن نتائج مماثلة تم التحقق منها في عدة مناطق حول العالم: أظهرت دراسة أمريكية أن المشروبات الخالية من السكر تزيد من مخاطر السكري بنسبة 19%؛ بينما وجدت دراسة في سنغافورة أن المراهقين الذين يستهلكون المشروبات المحلاة صناعيًا يوميًا، تزيد لديهم مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني بنسبة 58%. على الرغم من اختلاف العادات الغذائية في كل منطقة، إلا أن الاتجاه متسق، حيث قد تسبب المحليات الصناعية مشاكل أيضية أعمق من السكر الطبيعي.
هذا يشير أيضًا إلى أن المشكلة ليست في "السعرات الحرارية" أو "الطعم الحلو"، بل قد تكون في نوع من الاضطراب الدقيق في نظام الجسم، وهو اضطراب قد يكون من الصعب ملاحظته على المدى القصير، لكن تظهر عواقبه بعد تراكمه على المدى الطويل.

آلية الأيض الغامضة: كيف تؤثر المحليات الصناعية على مستويات السكر في الدم
تظهر مسألة تبدو متناقضة: المحليات الصناعية لا ترفع مستويات السكر في الدم بشكل مباشر، ولا يتم استقلابها تقريبًا بواسطة الجسم، فلماذا تزيد من مخاطر السكري؟
تقوم الأوساط العلمية حاليًا بالكشف تدريجيًا عن آلية عملها:
أولاً، اختلال توازن ميكروبات الأمعاء.
لقد ثبت أن المحليات مثل السكرالوز والسكرين تعطل بشكل كبير الميكروبيوم المعوي، مما يقلل من عدد البكتيريا المفيدة، ويزيد من مخاطر عدم تحمل الجلوكوز. يعتبر الميكروبيوم المعوي عاملاً مهمًا يؤثر على حساسية الأنسولين، ويعتبر اختلاله بمثابة "إشارة تحذير" لمرحلة ما قبل السكري.
ثانيًا، آلية تحفيز الأنسولين الخاطئة.
على الرغم من أن المحليات مثل الأسبارتام لا تحتوي على سكر، إلا أنها تنشط مستقبلات الطعم الحلو على اللسان، مما يحفز الدماغ على إفراز إشارة الأنسولين، مما يؤدي إلى "إفراز الأنسولين الزائف". قد تتداخل هذه التحفيزات المتكررة لـ "الطعم الحلو الزائف" مع آلية تنظيم الأنسولين الطبيعية، مما يزيد من إرهاق وظيفة البنكرياس تدريجيًا.
ثالثًا، انحراف حاسة التذوق وتدمير تنظيم الشهية.
الاستهلاك الطويل الأمد للمحليات عالية الكثافة قد يعيد تشكيل عتبة الطعم الحلو لدى الشخص، مما يجعل طعم الأطعمة الطبيعية يبدو "باهتًا"، مما يزيد من الرغبة في المزيد من الأطعمة الحلوة والمكررة. حتى عند استهلاك المشروبات الخالية من السكر، قد يؤدي ذلك إلى تأثير تعويض السعرات الحرارية بسبب سلوك الأكل اللاحق.
على الرغم من أن هذه الآليات لها مسارات مختلفة، إلا أنها جميعًا تشير إلى نقطة مركزية: المحليات الصناعية، على الرغم من كونها "خالية من السعرات الحرارية"، إلا أنها ليست "خالية من الاضطراب"، وتأثيرها على النظام الأيضي أكثر خفاءً، ودورة رد الفعل أطول، مما يؤدي في النهاية إلى أن تكون سببًا في السكري وأمراض مزمنة أخرى.
فخ العلامات الصحية: خمس مفاهيم خاطئة في الوعي العام
في المقابلات، أعرب العديد من المستهلكين عن وجهة نظرهم: "أنا أشرب فقط المشروبات الخالية من السكر يوميًا، لذا أنا بصحة جيدة." "أليس التحكم في الوزن يعني تجنب السكر؟" وهذا يعكس خمس مفاهيم خاطئة في وعي الجمهور حول "المشروبات الخالية من السكر":
المفهوم الخاطئ الأول: "الخالي من السكر" يعني "خالي من المخاطر".
الحقيقة هي أن المحليات الصناعية التي لا ترفع السكر لا تعني أنها لا تؤثر على نظام الأنسولين، فالمخاطر لم تختفِ، بل تغيرت المسارات.
المفهوم الخاطئ الثاني: المشروبات "منخفضة السعرات" مفيدة للأشخاص الذين يتحكمون في السكر.
لا يمكن الاعتماد على السعرات فقط في التحكم في السكر. تقلبات السكر في الدم، استجابة الأنسولين، وميكروبات الأمعاء هي الأكثر أهمية.
المفهوم الخاطئ الثالث: المشروبات الغازية الخالية من السكر تساعد في فقدان الوزن.
وجدت بعض الدراسات أن الأشخاص الذين يشربون المشروبات الغازية الخالية من السكر لفترة طويلة لا يتحكمون في وزنهم بشكل أفضل من أولئك الذين يشربون الماء، بل إن بعضهم قد يستهلك المزيد من الوجبات الخفيفة بسبب "التعويض النفسي".
المفهوم الخاطئ الرابع: السكر الصناعي هو البديل الأفضل لمرضى السكري.
الاستخدام المفرط للسكر الصناعي دون معرفة حالة الأيض الفردية قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات. قد تكون المحليات الطبيعية مثل الإريثريتول، والستيفيا أكثر أمانًا، ولكن يجب استخدامها بحذر.
المفهوم الخاطئ الخامس: المشروبات الخالية من السكر مناسبة للمراهقين.
المراهقون في مرحلة تشكيل نظامهم الأيضي، والتعرض المتكرر للسكر الصناعي قد يؤثر على صحتهم على المدى الطويل، خاصة عندما لا تكون آليات التذوق وتنظيم الأنسولين ناضجة بعد.
تنتج هذه المفاهيم الخاطئة جزئيًا عن "الهالة الصحية" التي تحيط ببعض تسويق المواد الغذائية. يجذب الناس مصطلحات مثل "خالي من السكر"، "صفر سعرات"، و"مشروبات خفيفة"، لكنهم يغفلون الحقيقة المعقدة للأيض التي تخفيها العلامات.
مقارنة التجارب الدولية: تزايد الرقابة في الدول
في مواجهة المخاوف الصحية المرتبطة بالمشروبات الخالية من السكر، بدأت العديد من الدول والمناطق حول العالم في اتخاذ إجراءات تنظيمية:
تستخدم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) حاليًا نظام "GRAS" (يعتبر آمنًا بشكل عام) للمحليات الصناعية، ولكن في عام 2023، أصدرت منظمة الصحة العالمية لأول مرة "إرشادات المحليات غير السكرية"، موصية الجمهور بتقليل استهلاك السكر الصناعي، خاصة عدم استخدامه في إدارة الوزن أو الوقاية من الأمراض الأيضية.
في السنوات الأخيرة، صنفت سنغافورة المشروبات الخالية من السكر التي تحتوي على المحليات الصناعية ضمن فئة "الرمز الأصفر" في تقييم علامات "المشروبات الصحية"، مما يعني وجود مخاطر متوسطة.
تخطط فرنسا لإدراج المحليات عالية المخاطر مثل الأسبارتام في قائمة القيود على البيع، وحظر استخدامها في الوجبات المدرسية بشكل كامل.
كما أدرجت دول أمريكا اللاتينية مثل المكسيك وتشيلي "المشروبات الخالية من السكر" ضمن فئة "علامات التحذير الصحية"، وفرضت ضرائب عليها مثل المشروبات السكرية.
هذه التدابير ليست "شيطنة" للمحليات الصناعية، بل تدعو إلى إنشاء آلية تقييم صحة الإنسان أكثر شمولاً وطويلة الأمد، لتجاوز قيود تعريف "الصحة" بناءً على مؤشر "السعرات الحرارية" فقط.
أزمة الأيض الخفية تحت الوعي الصحي
السيدة لي، 35 عامًا، مشرفة مشاريع في شركة إعلانات كبيرة في غوانغتشو، تعيش حياة يومية مشغولة، وللحفاظ على يقظتها ورشاقتها، تشرب يوميًا على الأقل علبتين من الكولا الخالية من السكر، وغالبًا ما تستبدل الإفطار بالقهوة المحلاة صناعيًا.
في البداية، اعتقدت أن هذه هي "أسلوب حياة صحي في المدينة". ومع ذلك، بعد ثلاث سنوات، أظهرت فحص طبي أنها تعاني من مستوى سكر دم صائم يبلغ 6.3 مليمول/لتر، مما يشير إلى مرحلة ما قبل السكري، وكان مستوى الأنسولين الصائم غير طبيعي، وكانت تعاني من اضطرابات متكررة في وظيفة الجهاز الهضمي. وقد افترض الطبيب أن اختلال الأيض لديها مرتبط بالاستهلاك الطويل الأمد للمحليات الصناعية.
بناءً على نصيحة الطبيب، بدأت السيدة لي تدريجيًا في التوقف عن تناول المشروبات الخالية من السكر، واستبدلتها بالماء المغلي، والشاي الخفيف، والزبادي الطبيعي، كما قامت بتعديل هيكل نظامها الغذائي وتكرار التمارين. بعد ثلاثة أشهر من إعادة الفحص، عاد مستوى سكر الدم الصائم إلى المستوى الطبيعي، وتحسنت مشاكل الأمعاء بشكل ملحوظ.
اعترفت السيدة لي: "ما يغير الحالة الصحية حقًا ليس هو مجرد علامة 'خالية من السكر'، بل هو الفهم الحقيقي والاحترام لآليات الجسم."