هل القهوة "تضر بالسكر"؟ من أين تأتي المفاهيم الخاطئة؟

في اعتقاد الكثيرين، يعتبر مرض السكري مرضًا مزمنًا استقلابيًا يتطلب "تحكمًا غذائيًا" عاليًا، مع التأكيد على "الابتعاد عن الأطعمة المثيرة، سريعة الارتفاع في السكر، والتي تؤثر على الأنسولين". لذلك، غالبًا ما يُعتقد أن القهوة التي تحمل علامات "منشطة" و"مُحفزة" و"تحتوي على الكافيين" غير مناسبة للاستهلاك.

هذه الفكرة ليست بلا أساس. الكافيين هو بالفعل منبه للجهاز العصبي المركزي، يمكن أن يزيد من اليقظة عن طريق حجب مستقبلات الأدينوزين، وقد يؤدي أيضًا إلى زيادة مؤقتة في معدل ضربات القلب وضغط الدم، وحتى تقليل حساسية الأنسولين بشكل طفيف. تشير بعض الدراسات إلى أن تناول جرعات عالية من الكافيين النقي يمكن أن يؤدي إلى تقلبات في مستويات السكر في الدم في فترة زمنية قصيرة.

ومع ذلك، فإن هذا التأثير له خصائص "أثر حاد" معينة. تشير المزيد من الدراسات طويلة الأمد إلى أن شرب القهوة السوداء المحتوية على الكافيين بانتظام قد يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.

على سبيل المثال، وجدت كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد الأمريكية في دراسة شملت أكثر من 120,000 شخص أن أولئك الذين يشربون 2 إلى 3 أكواب من القهوة السوداء يوميًا لديهم خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني أقل بنسبة تزيد عن 20% مقارنة بمن لا يشربونها. كما أظهرت دراسات أخرى من اليابان وفنلندا وهولندا اتجاهات مماثلة.

هذا يعني أن تقييم القهوة لا يمكن أن يتوقف عند "تحفيز الكافيين" فقط، بل يجب أيضًا مراقبة مكوناتها الكلية وتأثيراتها الأيضية على المدى الطويل.

الطرق الدقيقة لتنظيم سكر الدم: "الدعم المحتمل" المخفي في القهوة

القهوة ليست مجرد كافيين، بل هي مشروب يحتوي على مكونات كيميائية معقدة. بالإضافة إلى الكافيين، تحتوي أيضًا على مركبات نشطة متعددة مثل البوليفينول، وحمض الكلوروجينيك، والمغنيسيوم، والبوتاسيوم، والمركبات التيربينية.

الفائدة الأولى: قد تحسن حساسية الأنسولين

يُعتقد أن حمض الكلوروجينيك الموجود في القهوة لديه القدرة على تنظيم استقلاب الجلوكوز. تشير الدراسات إلى أن حمض الكلوروجينيك يمكن أن يؤخر امتصاص الأمعاء للجلوكوز، ويبطئ سرعة ارتفاع سكر الدم بعد الوجبات، بينما ينشط مسار AMPK، مما يعزز استجابة خلايا العضلات للأنسولين.

الفائدة الثانية: قد تقلل من مستويات الالتهاب

يعتبر السكري مرضًا مزمنًا منخفض الالتهاب. تساعد مضادات الأكسدة الموجودة في القهوة على تقليل تلف الجذور الحرة لخلايا بيتا في البنكرياس. قد يؤدي شرب القهوة السوداء بكميات معتدلة على المدى الطويل إلى تقليل مستويات CRP (بروتين سي التفاعلي) وتحسين المؤشرات الالتهابية.

الفائدة الثالثة: قد تعزز توازن الميكروبيوم المعوي

ترتبط ميكروبات الأمعاء ارتباطًا وثيقًا بالصحة الأيضية. وجدت الدراسات أن القهوة يمكن أن تعزز تكاثر البكتيريا المفيدة مثل البيفيدوباكتيريا، بينما تقلل من نسبة بعض "البكتيريا المسببة للالتهابات"، مما يحسن مقاومة الأنسولين بشكل غير مباشر.

الفائدة الرابعة: قد تساعد في التحكم في الوزن

تمتلك القهوة تأثيرًا خفيفًا مثبطًا للشهية، من خلال تحفيز الجهاز العصبي الودي وزيادة معدل الأيض الأساسي. على الرغم من أن تأثيرها في فقدان الوزن محدود، إلا أن الحفاظ على وزن صحي لدى مرضى السكري يعد وسيلة مهمة للتحكم في السكر.

بالطبع، تأتي هذه الفوائد المحتملة بشكل أكبر من الدراسات الملاحظة والتجارب الحيوانية، ولا يمكن استخلاص استنتاج "القهوة يمكن أن تعالج السكري". لكنها توفر أساسًا بحثيًا للدور الإيجابي للقهوة في مسار التحكم في السكر.

ردود فعل المرضى الحقيقية: ما هي التغييرات التي حدثت في الجسم بعد شرب القهوة بكميات معتدلة؟

لاحظت الدكتورة تشانغ جينغ، نائبة رئيس قسم الغدد الصماء في مستشفى من الدرجة الأولى في قوانغتشو، ظاهرة مثيرة للاهتمام في المتابعة العيادية في السنوات الأخيرة: بين مرضى السكري الذين لديهم حالات علاجية مشابهة، كان أولئك الذين يشربون القهوة السوداء بكميات محددة يوميًا يتحكمون في ذروة سكر الدم بعد الوجبات بشكل أكثر استقرارًا.

ذكرت حالة مريض ذكر يبلغ من العمر 58 عامًا، يعاني من زيادة الوزن، ويتناول ميتفورمين للتحكم في سكر الدم. كان لديه نية "الإقلاع عن القهوة"، لكن الطبيب نصحه بتجربة شرب كوبين من القهوة الأمريكية بدون سكر يوميًا. بعد متابعة لمدة ثلاثة أشهر، انخفض مستوى الهيموغلوبين السكري لديه من 7.1% إلى 6.6%، وفقد حوالي 3 كيلوغرامات، وأفاد بأنه "لم يشعر بالنعاس بعد الوجبات، وينام بشكل أعمق في الليل".

بالطبع، كان هناك أيضًا مريضة أخرى تبلغ من العمر 45 عامًا، شعرت بعد شرب القهوة بعدم ارتياح في المعدة وزيادة في خفقان القلب، وتم نصحها بالتوقف عن تناولها. ثم استبدلتها بشاي دافئ خفيف، مما أدى إلى تخفيف الأعراض.

تلخصت الدكتورة تشانغ قائلة: "من الممكن أن تلعب القهوة دورًا إيجابيًا في التحكم في سكر الدم، ولكن بشرط اختيار الشكل المناسب، والتحكم في الجرعة، ومراعاة الفروق الفردية، ولا ينبغي تقليدها بشكل أعمى."

تشير هذه التجارب السريرية إلى أن تأثير القهوة ليس مطلقًا، بل يعتمد على الحكم العلمي والتكيف الفردي.

على الرغم من فوائد القهوة، يجب على أربع فئات من الأشخاص توخي الحذر عند تناولها

على الرغم من أن القهوة قد تقدم فوائد متعددة لمرضى السكري، إلا أن هذا لا يعني أنها مناسبة للجميع. خاصة يجب على الفئات التالية توخي الحذر أو تجنب تناولها:

الأشخاص ذوو وظائف الجهاز الهضمي الضعيفة

تعمل القهوة على تحفيز إفراز حمض المعدة، مما قد يؤدي إلى ارتجاع الحمض، والانتفاخ، وما إلى ذلك، لدى مرضى القرحة المعدية، والتهاب المعدة، وعسر الهضم.

مرضى السكري الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم

يمكن أن يؤدي الكافيين في بعض الأفراد إلى زيادة ضغط الدم بشكل مؤقت، وإذا كان ضغط الدم لديهم متقلبًا أو غير متوازن، يجب التحكم في كمية الاستهلاك وفقًا لذلك.

الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم

يمكن أن يؤدي الكافيين الموجود في القهوة إلى إطالة وقت النوم وتقليل جودة النوم العميق، مما يؤثر على إيقاع الأيض الهرموني، مما قد يكون ضارًا للتحكم في السكر.

الأشخاص الذين يعانون من القلق وزيادة خفقان القلب

يمكن أن يظهر الأشخاص ذوو الجهاز العصبي الحساس ردود فعل مثل التوتر، وعدم انتظام ضربات القلب بعد شرب القهوة، ويجب تقييم ردود الفعل العصبية أولاً.

بالنسبة لهذه الفئات، ينصح الأطباء بتجربة اختيار قهوة منخفضة الكافيين (مثل القهوة المحمصة الخفيفة أو القهوة منزوعة الكافيين)، أو تناولها بكميات محدودة، أو استبدالها بمشروبات بديلة لطيفة مثل شاي الأقحوان، أو شاي الشعير، أو حليب الصويا الخفيف.

نصائح للاستهلاك المعقول: كيف يجب على مرضى السكري "شرب القهوة بشكل صحيح"؟

نظرًا لأن القهوة قد تقدم فوائد معينة، فما هي المبادئ التي يجب مراعاتها عند تناولها؟

اختيار النوع المناسب: التركيز على القهوة السوداء، بدون سكر أو كريمة

أفضل شكل هو القهوة السوداء المطحونة الطازجة (مثل القهوة الأمريكية)، وتجنب المشروبات السكرية مثل اللاتيه، والمشروبات السكرية الأخرى. يجب أيضًا مراجعة قائمة المكونات في حليب النباتات لتجنب السكريات المخفية.

التحكم في الجرعة: 1 إلى 2 كوب يوميًا هو الأنسب

يوصى بعدم تجاوز استهلاك الكافيين 200 ملغ يوميًا، وهو ما يعادل كوبين من القهوة الأمريكية المتوسطة. يجب على المبتدئين البدء بنصف كوب ومراقبة ردود فعل الجسم.

اختيار الوقت المناسب

من الأفضل تناولها بين الساعة 9 و11 صباحًا أو بعد ساعة من الوجبة، وتجنب تناولها على معدة فارغة أو قبل النوم مباشرة. يمكن أن يؤدي تناولها على معدة فارغة إلى إلحاق الضرر بالمعدة، بينما يؤثر تناولها قبل النوم على النوم.

تناولها مع نظام غذائي متوازن، ولا يمكن أن تحل محل الوجبات الرئيسية

يعتقد بعض مرضى السكري خطأً أن القهوة "تنشط + تقلل الشهية"، لذا يستخدمونها كبديل للوجبات، وهذا خطأ. القهوة يمكن أن تدعم التحكم في النظام الغذائي، لكنها ليست العنصر الرئيسي.

استشارة الطبيب عند تناولها مع الأدوية

يمكن أن تؤثر بعض أدوية خفض السكر (مثل السلفونيل يوريا) عند استخدامها مع القهوة على فعالية الدواء أو ردود الفعل الجانبية، لذا يُنصح بطلب المشورة المهنية قبل تناولها.

يجب تصحيح المفاهيم العامة: القهوة ليست "دواء سحري"، ولا هي "مشروب خاص لمرضى السكري"

على الرغم من أن إمكانيات القهوة في تقليل السكر تم مناقشتها على نطاق واسع، إلا أنها ليست دواءً ولا مكملًا غذائيًا. إن اعتبارها "سلاحًا للتحكم في السكر" هو بالتأكيد مبالغة، ويمكن أن يضلل المرضى عن تجاهل إدارة الحياة الحقيقية المهمة.

إن وجهة النظر القائلة "شرب القهوة يمكن أن يعكس مرض السكري" تتجاهل دور العوامل الشاملة مثل هيكل النظام الغذائي، وعادات ممارسة الرياضة، والحالة النفسية، والامتثال للأدوية. بينما الطرف الآخر، وهو القول "يجب على مرضى السكري عدم شرب القهوة على الإطلاق"، يقلل من ضرورة تنوع النظام الغذائي واستراتيجيات التغذية الفردية.

الموقف العقلاني والعلمي الحقيقي هو: اعتبار القهوة أداة غذائية اختيارية، من خلال التوجيه المهني، ودمجها في استراتيجيات التحكم في السكر اليومية وفقًا للحالة الفردية.

كما أشارت "إرشادات العلاج الغذائي لمرض السكري في الصين": تؤكد العلاج الغذائي على "التخصيص"، ويجب تقييم جميع المشروبات أو الأطعمة في "التوازن الكلي" عند اتخاذ القرارات.

القهوة ليست اختصارًا، لكنها قد تكون دعمًا صغيرًا في إدارة مرضى السكري اليومية. في عبير القهوة السوداء، إذا كانت مصحوبة بنمط حياة منتظم، ونظام غذائي خفيف، وممارسة معتدلة، فإنها تستحق حقًا مكانًا ثابتًا وواضحًا.

المستخدمون الذين أحبوا