كلما مررت بطريق تشونغشان الثاني ورأيت تلك البوابة العظيمة من الحجر الرملي الأحمر، لا أستطيع إلا أن أتوقف. بالنسبة لي، مقبرة شهداء انتفاضة قوانغتشو ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل هي لوحة ذكريات تمتد عبر معظم حياتي. كأحد سكان قوانغتشو الأصليين، عشت أحداث هذه المدينة المتغيرة، وكانت المقبرة بمثابة شاهد صامت تحمل ذكريات الفرح والحزن لعدة أجيال من سكان قوانغتشو.

تأسست المقبرة في عام 1954، وتتميز بأشجار الصنوبر دائمة الخضرة، حيث تنبض بأجواء من الجلال والوقار في كل فصول السنة. أتذكر جيدًا عندما كنت صغيرًا ودخلت المقبرة لأول مرة، حيث أخذنا المعلم في جولة لزيارة المباني التذكارية المختلفة، وشرح لنا المعاني التاريخية وراءها. كانت تلك النصب التذكارية الشاهقة والأجنحة الجميلة تبدو في عيني الطفولي غامضة ومقدسة. ورغم أنني لم أستطع فهم عمق المعاني، إلا أن شعور الاحترام العميق قد غُرس في قلبي كالبذور.

في أيام الدراسة، كانت زيارة مقبرة الشهداء نشاطًا لا غنى عنه كل عام. كنا نرتدي ملابس باهتة، ونربط الأوشحة الحمراء الزاهية، ونشكل صفوفًا مرتبة نسير من المدرسة إلى هناك. كانت المقبرة في ذلك الوقت أكثر بساطة مما هي عليه الآن، لكنها كانت تحمل أجواء من الجلال والوقار. كنا نقدم الزهور أمام النصب التذكارية ونتوقف دقيقة صمت، حيث كانت كل خطوة تتم بدقة. بعد انتهاء المراسم، كان المعلم يأخذنا لزيارة المباني المختلفة، وكان أكثر ما أحب زيارته هو جناح الصداقة بين الصين وكوريا الشمالية، حيث كان ذلك الجناح السداسي الجميل دائمًا يجذب أنظارنا نحن الشباب. وكان بركة اللوتس بجانبه هي المكان الذي نحب البقاء فيه. في فصل الصيف، كانت أوراق اللوتس تتفتح، وتزهر الأزهار، وتنتشر رائحة عطرة في كل ركن من أركان المقبرة، مما يخلق أجواء غريبة ومتناسقة مع المكان المقدس.

في أوائل الثمانينيات، هبت رياح الإصلاح والانفتاح على جميع أنحاء الصين، وكانت قوانغتشو، بوابة الجنوب، في مقدمة الشعور بتأثير الثقافة الخارجية. رغم أن الحياة الثقافية في ذلك الوقت كانت لا تزال تبدو رتيبة، إلا أنها بدأت تتغير بهدوء. أتذكر أنه كان يومًا مشمسًا، كنت جالسًا على كرسي من الخيزران القديم في منزلي، أعبث بتلك التلفاز الأسود والأبيض الثمين. بعد بعض التعديلات، ظهرت صورة واضحة على الشاشة - كانت هناك بث مباشر لعرض فني في جناح الصداقة بين الصين وكوريا الشمالية.

عندما ظهرت وانغ مينغ تشوان على الشاشة، توقفت عن التنفس. كانت في أوج شبابها، متألقة، وغنت أغاني كلاسيكية مثل "الحب عبر الأنهار والجبال"، كانت الألحان الجميلة والأداء العاطفي يأسرني. بالنسبة لنا، نحن الشباب الذين اعتادوا على الأغاني التقليدية، كانت هذه الموسيقى الشعبية المعروفة باسم "الأغاني الشعبية" تجربة جديدة تمامًا، حيث كانت الألحان جذابة وكلماتها قريبة من القلوب، وكأنها فتحت لي نافذة إلى العالم الخارجي.

ثم ظهر تشنغ شياو تشيو، الذي كان بالفعل نجمًا معروفًا في ذلك الوقت، حيث حقق شهرة كبيرة من خلال مسلسلات مثل "تشو ليو شياو" و"حديث عن تشيان لونغ". كانت جاذبيته وأناقة مظهره لا تزال واضحة عبر شاشة التلفاز الأسود والأبيض. أتذكر أنه غنى أغاني مثل "ابتسم في وجه الرياح" بصوته الجذاب، ورغم أن جودة الصوت لم تكن جيدة، إلا أنني شعرت بسحر فني غير مسبوق.

ما لا يمكنني نسيانه هو أداء لو وين. غنى أغاني كلاسيكية مثل "تحت جبل الأسد" و"أغاني جيدة لك"، وكان صوته العالي والمليء بالعاطفة يبدو وكأنه يريد أن يكسر قيود التلفاز، ويملأ الغرفة بأكملها. كنت أراقب تلك التلفاز الأسود والأبيض الصغيرة بلا حراك، ولم تؤثر نقاط الثلج والصورة المتحركة على حماسي. من خلال شاشة التلفاز، كنت أستطيع رؤية أزهار اللوتس بجانب جناح الصداقة بين الصين وكوريا الشمالية تتفتح بهدوء تحت أشعة الشمس، وعندما تهب النسائم، كانت أوراق اللوتس تتمايل برفق، مما يخلق مشهدًا لا يمكنني نسيانه حتى اليوم.

أدت عروض هؤلاء النجوم من هونغ كونغ إلى تأثير ثقافي كبير على جيلنا. قبل ذلك، كانت حياتنا الترفيهية بسيطة نسبيًا، تقتصر على الأوبرا التقليدية وأنشطة الغناء الجماعي. أدت إدخال الثقافة الشعبية من هونغ كونغ إلى أن نبدأ في التعرف على أشكال فنية جديدة، وبدأنا نفهم طرق التعبير الثقافي المختلفة. أتذكر بعد انتهاء العرض، كان الجيران يتحدثون بحماس عن ملابس النجوم من هونغ كونغ، وتسريحات شعرهم، وأسلوب أدائهم، وبدأ بعض الناس حتى في تقليد مظهرهم وطريقة غنائهم. كل ذلك انتشر من خلال تلك التلفاز الصغيرة، مما جعلني أشعر بتغير الزمن وأنا جالس في منزلي.

مرت السنوات بسرعة، وتغيرت مقبرة الشهداء بشكل كبير اليوم، حيث أضيفت المزيد من المرافق والمعالم. يجذب معرض اللوتس السنوي عددًا كبيرًا من المواطنين والسياح لزيارته، حيث يمكن للناس الاستمتاع بأزهار اللوتس وفي نفس الوقت يشعرون بثقل التاريخ. كما تقام في المقبرة مجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية والمحاضرات التعليمية، مما يساعد المزيد من الناس على فهم قصة هذه الحديقة.

ومع ذلك، كلما تذكرت مقبرة الشهداء، تتبادر إلى ذهني تلك الظهيرة المشمسة: كنت جالسًا بمفردي في المنزل، أشاهد عروض نجوم هونغ كونغ عبر التلفاز الأسود والأبيض، وكانت الصورة تحتوي على جناح الصداقة بين الصين وكوريا الشمالية وبركة اللوتس المتفتحة، وكأن الهواء مختلط برائحة اللوتس والموسيقى. كانت تلك الرغبة في الثقافة الجديدة والاستكشاف، مع تقدير الذكريات المعمارية التقليدية، تتداخل بشكل غريب، لتصبح ذاكرة جماعية فريدة لجيلنا.

اليوم، أصبحت قوانغتشو مدينة دولية متطورة، حيث تتنوع الحياة الثقافية، ولدى الشباب خيارات لا حصر لها من الترفيه والتجارب الثقافية. لكنني أؤمن أن مقبرة الشهداء لا تزال تحتل مكانة خاصة في قلوب هذه المدينة وسكانها. إنها ليست مجرد حديقة تذكارية، بل هي جسر يربط بين الماضي والحاضر، والتقاليد والابتكار. هنا، يمكننا مراجعة التاريخ، والشعور بتغير الزمن وتطور الثقافة.

كأحد سكان قوانغتشو القدامى، شهدت تغيرات هذه المدينة وهذه المقبرة. أحيانًا، أذهب بمفردي إلى المقبرة، وأجلس في الممر الطويل، أراقب الحشود التي تأتي وتذهب - هناك مجموعات من الطلاب الزائرين، وكبار السن الذين يأتون للترفيه وممارسة الرياضة، وزوار يأتون للاستمتاع بأزهار اللوتس، وزوجان جديدان يلتقطان صور الزفاف. تجعلني هذه المشاهد أشعر بالراحة، لأن ما تركه لنا التاريخ هو هذا النوع من الحياة السلمية والمتنوعة والسعيدة اليوم.

عندما غابت الشمس، كنت أستعد لمغادرة المقبرة. نظرت إلى الوراء، ولا يزال جناح الصداقة بين الصين وكوريا الشمالية قائمًا هناك، وفي بركة اللوتس بجانبه، لا تزال أوراق اللوتس خضراء، وأزهار اللوتس لا تزال متألقة. لقد غير الزمن الكثير من الأشياء، لكن بعض الذكريات والروح ستظل محفوظة إلى الأبد. أؤمن أنه بغض النظر عن كيفية تغير الزمن، ستظل مقبرة شهداء انتفاضة قوانغتشو قائمة في هذه المدينة، تروي بهدوء قصص الماضي، وتلهم آمال المستقبل. وستظل ذكرياتنا نحن سكان قوانغتشو القدامى، مثل رائحة اللوتس العطرة، تتنقل في سماء هذه الأرض، مستمرة بلا انقطاع. لقد شهدت هذه المقبرة شبابي، وشهدت تغيرات قوانغتشو، وشهدت تحول عصر كامل. كلما مشيت في الممرات المظللة في الحديقة، واستمتعت بصوت الرياح التي تمر عبر أشجار الصنوبر، ورأيت أشعة الشمس تتساقط من خلال أوراق الأشجار، لا أستطيع إلا أن أشعر بالحنين. تلك السنوات التي مضت، وتلك الأشكال البعيدة، كلها تحولت إلى ذكريات ثمينة، محفورة إلى الأبد على هذه الأرض، ومحفورة في قلوب كل سكان قوانغتشو القدامى.

المستخدمون الذين أحبوا