المغول، وخاصة في زمن الإمبراطورية المغولية في القرن الثالث عشر تحت حكم جنكيز خان، كانوا بدو يعيشون في السهول الواسعة في وسط آسيا. لا مدن، لا طرق، فقط السهول الشاسعة مع السماء الزرقاء وقطعان الخيول التي تجري في كل مكان.
الخيول بالنسبة للمغول ليست مجرد وسيلة للتنقل، بل هي كل شيء من القتال، والصيد، وتربية الماشية إلى الزواج والتواصل مع الآخرين. الشخص المغولي الذي لا يمتلك حصانًا يشبه شخصًا بلا هاتف في الوقت الحاضر، يكاد يكون من المستحيل العيش. يمكن لعائلة مغولية متوسطة أن تمتلك عشرات بل مئات الخيول. الخيول هي ممتلكات، هي فخر، هي رمز للحرية والقوة. لكن الخيول ليست مهمة فقط من الناحية العملية. في معتقدات المغول، كل شيء في الطبيعة مثل الجبال، والأنهار، والحيوانات له روح.
تعتبر الخيول بسرعتها وقوتها وولائها جسرًا بين الإنسان والعالم الروحي. يعتقدون أن روح الأجداد يمكن أن تسكن في الخيول وأن الخيول يمكن أن تقود المحاربين في المعركة أو تعيد أرواح البشر من الموت إلى السماء. لذلك، فإن الحصان ليس مجرد حصان عادي بل هو مقدس للغاية. أكل لحم الخيل في عيون المغول يعتبر تقريبًا إهانة للآلهة أو للأجداد. الخيول المغولية ليست كبيرة مثل خيول الحرب في أوروبا، بل هي صغيرة وقصيرة لكنها قوية للغاية. لذا يتساءل الكثيرون عندما تستخدم فرقة الفرسان الفيتنامية الخيول المغولية، فهذه هي السبب.
يمكن للخيول المغولية أن تجري عشرات الكيلومترات يوميًا، وتعيش في ظروف قاسية من السهول، من البرد -40 درجة مئوية إلى الحرارة الشديدة. تأكل الخيول المغولية العشب، وتشرب القليل من الماء، ويمكنها أن تجد الطعام بنفسها حتى عندما يكون الثلج كثيفًا. كل محارب مغولي يحمل من ثلاثة إلى خمسة خيول في الحملة، ويغير الخيول باستمرار للحفاظ على السرعة. هذا يساعدهم على التحرك بسرعة البرق، ويمكنهم قطع 100 إلى 150 كيلومترًا يوميًا. سرعة لم تكن جيوش أوروبا في ذلك الوقت تجرؤ على الحلم بها. الخيول هي آلات حرب حية وأكلها سيقلل من عدد هذه الأسلحة الثمينة.
نشأ المغول على ظهور الخيول بمعنى الكلمة. الأطفال في سن الثلاث أو الأربع سنوات يتم تدريبهم على ركوب الخيل، ورمي السهام، والتحكم في الخيول كجزء من أجسادهم. يمكن للمحارب المغولي أن يصيب الهدف بدقة أثناء ركوب الخيل، حتى أنه يمكنه الرمي للخلف. وهي تقنية يعرفها المغول جيدًا. لقد اخترعوا أيضًا دواسات تساعد المحاربين على الثبات على ظهور الخيول، واستخدام قوة أجسادهم لرمي السهام أو طعن الرماح.
بينما يرتدي الفرسان الأوروبيون دروعًا ثقيلة وبطيئة، فإن المحاربين المغول يتحركون برشاقة وسرعة كالعواصف، وينتصرون في كل مكان. الخيول ثمينة لدرجة أنهم لا يجرؤون على أكلها، إلا في حالات اليأس الشديد. كما تساعد الخيول المغولية في خلق استراتيجيات حربية مدهشة. يستخدمون استراتيجيات الهجوم والانسحاب. هجوم ثم انسحاب. يندفعون على الخيول لرمي السهام ثم ينسحبون بسرعة قبل أن يتمكن العدو من الرد. كما يتظاهرون بالانسحاب لجذب العدو إلى الفخ. على سبيل المثال، في معركة موهي عام 1241 عندما دمر المغول الجيش المجري بفضل حركة الخيول.
تساعد الخيول أيضًا في اللوجستيات. يمكن لمحارب مغولي أن يعيش لأسابيع فقط بفضل الخيول. يشرب حليب الخيل وفي حالات الطوارئ يمكنه شرب بضع قطرات من دم الخيل للبقاء على قيد الحياة. لكن أكل لحم الخيل؟ نادر جدًا. لأن قتل الخيل يعني فقدان آلة حرب وفقدان رفيق. على الرغم من أن المغول تقليديًا لا يأكلون لحم الخيل، إلا أن هناك حالات استثنائية نادرة. في أوقات الحرب والمجاعة، عندما لا توجد خيارات أخرى، قد يأكل المغول لحم الخيل للبقاء على قيد الحياة.
ومع ذلك، فإنهم غالبًا ما يختارون الخيول الضعيفة أو القديمة أو التي لم تعد قادرة على العمل. ويجب أن يتم ذلك بحزن. تذكر بعض الوثائق التاريخية أنه في الحملات البعيدة، قد يقتل المغول أحيانًا الخيول لأكلها، ولكن فقط في حالات اليأس الشديد وغالبًا ما يقومون بطقوس للاعتذار لروح الحصان. لأن الخيول تعتبر رفقاء وليس مجرد أدوات. قبل المعركة، يقوم المغول بطقوس لطلب روح الخيل للحماية. بعض الطقوس تتضمن التضحية بالخيول لشكر الآلهة بعد الانتصار. لكن هذا نادر جدًا لأن الخيول ثمينة للغاية.
تعتبر خيول القادة العظماء مثل جنكيز خان مقدسة وعندما تموت يتم دفنها بطريقة احتفالية للغاية. أكل لحم الخيل، وخاصة خيول الحرب، يعتبر عدم احترام ليس فقط للحيوان ولكن أيضًا للأجداد والآلهة. لذلك، على السهول، تعتبر الخيول أغلى الممتلكات. يمكن أن تساوي الحصان الجيد قطيعًا كاملًا من الأغنام أو الأبقار. لا تستخدم الخيول فقط للتنقل، بل هي أدوات للتربية، للصيد، وللقتال. قتل الخيل لأكل لحمها هو إهدار فظيع لأن الخيل الحي يوفر قيمة أكبر بكثير من لحمه. وهذه أيضًا قيمة عملية جدًا.
ماذا يأكل المغول إذا لم يأكلوا لحم الخيل؟
يمتلك المغول مصادر غذائية وفيرة أخرى مثل الأغنام، والماعز، والأبقار، وحليب هذه الحيوانات. في العصر الحديث، يأكلون أيضًا لحم الخنزير. لحم الضأن ولحم البقر هما الغذاء الرئيسي بينما تُحتفظ الخيول لأغراض العمل والحرب. يعتبر المغول الخيول دائمًا كرفاق، قريبين كأعضاء في الأسرة. يمكن لمحارب أن يقضي حياته كلها بجانب حصانه، معًا يتجاوزان المعارك، ويعبران السهول، وينجوان في ظروف قاسية. تُعطى الخيول أسماء، وتُعتنى بها بعناية، وأحيانًا تُزين بأحزمة جميلة أو ذيول مربوطة في أعياد. أكل لحم الخيل بالنسبة للمغول يشبه أكل لحم صديق.
لذا، عندما تكبر الخيول أو تموت، يتركها المغول حرة أو يدفنونها بعناية شديدة بدلاً من قتلها لأكل لحمها. وهذا يعكس الاحترام العميق للحيوان الذي رافقهم. عند الحديث عن حب المغول للخيول، لديهم حتى أولمبياد للخيول. بالطبع، الأولمبياد بين قوسين. يُطلق على هذا المهرجان اسم مهرجان نادام. يهدف إلى تكريم السهول، وتكريم قوة الإنسان، وحب الخيول. لهذا المهرجان تاريخ طويل يمتد لعدة مئات من السنين مرتبطًا بفترة جنكيز خان.
يُقال إنه منذ القرن الثالث عشر عندما توسعت المغول عبر آسيا وأوروبا، كانت جيش جنكيز خان ينظم بانتظام مسابقات مصارعة، ورمي السهام، وسباق الخيل لتدريب الجنود. فيما بعد، أصبح نادام أكبر مهرجان ثقافي للاحتفال بالماضي المجيد ولربط المجتمع البدوي في السهول المختلفة.
اليوم، يُقام مهرجان نادام رسميًا في يوليو من كل عام تزامنًا مع عيد الاستقلال المغولي. البلاد كلها تحتفل كما في عيد رأس السنة. يرتدي الناس الملابس التقليدية ويشربون حليب الخيل ويتجهون إلى العاصمة أولان باتر أو السهول الواسعة للمشاركة معًا. لكن في قلوب كل مغولي، تظل النقطة الأبرز هي سباق الخيل. في دول أخرى، يعتبر سباق الخيل عادة رياضة نبلاء على مضمار قصير مع فرسان يرتدون عباءات فاخرة. لكن في المغول، سباق الخيل مختلف تمامًا. ليس مجرد منافسة، بل هو رحلة عبر الطبيعة البرية تمتد من 15 إلى 30 كيلومترًا حسب عمر الحصان، وقد تصل حتى 40 كيلومترًا مع الخيول الناضجة.
لا يتم تحديد مسار السباق بخطوط بيضاء، بل هي طرق ممرات تمتد بلا نهاية عبر السهول، عبر التلال العشبية، والوديان، وحتى الغبار الذي يتصاعد عندما تجري مئات الخيول معًا. ما هو أكثر خصوصية هو أن الفرسان ليسوا فرسان بالغين، بل هم أطفال. من المنطقي، فالأطفال خفيفو الوزن يساعدون الخيول على الجري بشكل أسرع. غالبًا ما يقول المغول إن الأطفال يتعلمون ركوب الخيل قبل أن يتعلموا المشي، وهذا المهرجان هو دليل حي على هذه المقولة. عندما تنتهي السباق، لا يُعتبر الحصان الفائز الأسرع فحسب، بل يُعتبر أيضًا بطل السهول.
سوف يقود صاحب الحصان حصانه حول الحشود وسط الهتافات والتشجيع. بعد ذلك، يتم إجراء طقس خاص يتمثل في رش حليب الخيل على رأس الحصان. بالنسبة للمغول، حليب الخيل هو شيء نقي يرمز إلى الحياة، والازدهار، ونعمة السماء. عندما يتدفق الحليب على رأس الحصان، ليس فقط تمنيات حظ سعيد للمالك، بل هو أيضًا طريقة لتكريم الحيوان الذي جلب المجد للمجتمع. من الجدير بالذكر أن الحصان الخاسر أيضًا يُحب. لا يُلام، ولا يُترك، بل يُعانق ويُغنى له. هناك حتى أغاني شعبية مخصصة للخيول الفاشلة لتخفيف آلامها. وهذا مرة أخرى يظهر الحب غير المشروط الذي يكنه المغول للخيول.
الحيوان الذي رافقهم عبر آلاف السنين من التاريخ. في مهرجان نادام، لا تُكرم الخيول فحسب، بل أيضًا الأطفال الذين يركبون الخيول الفائزة يُعتبرون أبطالًا. على الرغم من أنهم في السابعة أو الثامنة من عمرهم، فإن هؤلاء الفرسان الصغار يصبحون فخر العائلة. بعضهم بعد الفوز يُسجل في السجلات المحلية، وكأنهم يحملون لقب الأبطال منذ الصغر. يعتقد المغول أن الأطفال مثل هؤلاء سيكبرون ليصبحوا أقوياء وشجعان ويصبحون أعمدة القبيلة. إذا قارننا بالعالم الحديث، فإن نادام هو الأولمبياد للسهول. لكن ربما هو أكثر من ذلك، لأنه في كل سباق لا يوجد فقط عرق وسرعة، بل أيضًا روح الشعب المغولي.
لذا، فإن الخيول ليست مجرد وسيلة، أو ممتلكات، أو رفقاء، بل هي روح المغول. تساعدهم على غزو العالم، وتربية نسلهم في السهول، وتربطهم بالآلهة. تقليد عدم أكل لحم الخيل ينبع من عبادة الآلهة، ومن القيمة العملية، ومن المشاعر العميقة تجاه هذا الصديق ذي الأربع أرجل.