سوق العمل، باعتباره مجالًا مهمًا لنشاطات الإنسان الحديث، ليس فقط مساحة لخلق قيمة اقتصادية، بل هو أيضًا شبكة تتداخل فيها العلاقات الاجتماعية والعواطف. في هذا السياق، تنشأ مشاعر بين الزملاء بسبب الاهتمامات المشتركة والتواجد اليومي، مما يؤدي إلى تطوير علاقات عاطفية، وهو أمر طبيعي في طبيعة الإنسان. ومع ذلك، عندما يُعتبر أن هذه العلاقات الشخصية "تؤثر على العمل"، هل يمكن لصاحب العمل أن يمارس حق الفصل مباشرةً، ويقوم "بفصل الموظف واحدًا تلو الآخر"؟ يبدو أن هذا السلوك يحافظ على انضباط الشركة، لكن شرعيته ومعقوليته تظل علامة استفهام كبيرة. إنه لا يمس فقط المواد الصارمة في "قانون عقود العمل"، بل يثير أيضًا تفكيرًا عميقًا حول حدود إدارة الشركات، وحماية حقوق الموظفين، والحكم الإنساني. ستثبت هذه المقالة أن فصل الموظفين الذين لديهم علاقات عاطفية في المكتب بناءً على "تأثير العمل" يشكل في معظم الحالات فصلًا غير قانوني؛ يجب أن يكون اتجاه إدارة الشركات الحديثة هو الانتقال من "الحظر القاسي" إلى "التنظيم العقلاني"، والسعي لتحقيق توازن حذر بين احترام حقوق الموظفين الخاصة والحفاظ على مصالح الشركة.

أولاً، الأساس القانوني: يجب أن تستند شرعية الفصل إلى تفويض قانوني واضح
وفقًا لقانون عقود العمل في بلادنا، يجب أن يكون لدى صاحب العمل أسباب قانونية لفصل عقد العمل من جانب واحد (أي "الفصل")، والمرجع الأساسي هو المادة التاسعة والثلاثون من قانون عقود العمل. تنص هذه المادة على أن صاحب العمل يمكنه إنهاء العقد دون دفع تعويضات اقتصادية في عدة حالات، ومن بينها الحالات الأكثر صلة بهذا الموضوع:
1. "انتهاك خطير لقواعد وأنظمة صاحب العمل"
2. "إهمال جسيم، فساد، مما تسبب في أضرار جسيمة لصاحب العمل"
لكي يتم فصل الموظف بشكل قانوني بناءً على هذه المواد، يجب على صاحب العمل تحمل عبء إثبات ثقيل. فيما يتعلق بحالة "تأثير العلاقات العاطفية في المكتب على العمل"، تواجه شرعيتها عدة تساؤلات:
أولاً، هل لدى الشركة قواعد وأنظمة واضحة وقانونية تم إبلاغ الموظفين بها؟ إذا كان دليل الموظف أو الأنظمة الداخلية للشركة تعرف "العلاقات العاطفية بين الزملاء" على أنها "سلوكيات مخالفة خطيرة"، وتحدد عقوبات الفصل، فإن هذا هو الشرط الأول لممارسة الشركة لسلطتها الإدارية. لكن شرعية هذه القاعدة نفسها لا تزال بحاجة إلى مراجعة. لا يمكن أن تتعارض مع الأحكام الإلزامية للقانون الوطني، ولا يمكن أن تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين (مثل حرية الزواج، وحرية الحب). إن حظر جميع العلاقات العاطفية في المكتب بشكل قاطع يثير تساؤلات حول شرعيته، ومن المحتمل أن يُعتبر بندًا غير صالح بسبب "استبعاد حقوق العمال، وزيادة مسؤولياتهم".
ثانياً، حتى مع وجود نظام، هل سلوك الموظف قد وصل إلى درجة "الانتهاك الجسيم"؟ هذه هي النقطة القانونية الأكثر أهمية. "تأثير على العمل" هو مفهوم غامض للغاية وذاتي. هل هو مجرد إرسال بعض الرسائل خلال ساعات العمل، أم هو شجار كبير في المكتب بسبب مشاكل عاطفية أدى إلى توقف المشروع؟ هل العلاقة الشخصية قد تؤدي إلى تضارب محتمل في المصالح، أم أنها قد تسببت بالفعل في أضرار اقتصادية جسيمة وقابلة للقياس؟ "الانتهاك الجسيم" المعترف به قانونياً يجب أن يكون سلوكاً ضاراً مثبتاً بأدلة قاطعة، وليس مجرد "احتمال" أو تأثير طفيف. المساواة بين "التأثير" في الشعور الذاتي و"الانتهاك الجسيم" بالمعنى القانوني هو إساءة استخدام لحق الفصل.
أخيراً، هل تسبب ذلك في "أضرار جسيمة"؟ إذا قامت الشركة بفصل الموظف بسبب "الإهمال الجسيم الذي تسبب في أضرار جسيمة"، فيجب عليها تقديم الأدلة التي تثبت أن العلاقة العاطفية أدت مباشرة إلى إهمال الموظف الجسيم، وأنها تسببت في أضرار اقتصادية جسيمة وقابلة للقياس. على سبيل المثال، تسريب أسرار الشركة الأساسية إلى المنافسين بسبب علاقة عاطفية، أو التآمر بين شخصين للقيام بأنشطة فساد. مجرد "تأثير على كفاءة العمل" أو "جو الفريق" لا يصل إلى المعايير القانونية لـ "الأضرار الجسيمة".
لذلك، فإن تصرف القيادة بناءً على مشاعرهم الذاتية، دون تحقيق أو جمع أدلة، ودون تحذير أو إعطاء الموظف فرصة للدفاع عن نفسه، هو تقريباً يشكل إنهاء غير قانوني لعقد العمل. للموظف الحق في المطالبة بإعادة العلاقة العمالية، أو المطالبة بتعويض مزدوج عن الأضرار الاقتصادية.
ثانياً، التأمل الإداري: الحكمة في الانتقال من "السد" إلى "التخفيف"
القانون يحدد الحد الأدنى للسلوك، بينما الإدارة الفعالة تسعى إلى الحد الأقصى. اعتبار العلاقات العاطفية في المكتب "كالكارثة" واتخاذ موقف صارم لحظرها يكشف عن كسالة وعدم كفاءة الإدارة. هذه هي أبسط وأقل نمط إداري يتطلب التفكير، والذي يكشف عن تخلف التفكير الإداري.
1. الخلط بين حدود "القطاع العام" و"القطاع الخاص". المبدأ الأساسي لإدارة الشركات الحديثة هو احترام المساحة الشخصية والحقوق الأساسية للموظفين. كموظف، يقدم العامل سلوكه خلال ساعات العمل المحددة، وليس شخصيته بالكامل وحياته العاطفية. للشركة الحق في مطالبة الموظفين بأداء واجباتهم خلال ساعات العمل، ولكن ليس لها الحق في التدخل في علاقاتهم الشخصية خارج العمل، أو حتى في مكان العمل إذا لم تؤثر بشكل كبير على العمل. استخدام "تأثير العمل" كذريعة للتدخل في "الحياة الخاصة" هو تجاوز للسلطة، مما سيؤدي فقط إلى ردود فعل سلبية ومشاعر مقاومة من الموظفين، ويضر بجاذبية الشركة للمواهب.
2. تجاهل جوهر الإدارة وهو "التعامل مع الأمور". يجب أن تركز الإدارة المهنية الحقيقية على "أداء العمل" نفسه، وليس على الحالة الشخصية للموظف. إذا كان الموظف بالفعل يعاني من انخفاض في كفاءة العمل، أو تأخر أو مغادرة مبكرة، أو أخطاء في المشروع بسبب أمور شخصية، يجب على المدير التواصل بشأن هذه السلوكيات المحددة، وتحذيرهم أو معاقبتهم، بدلاً من معاقبتهم بسبب حالتهم العاطفية. يجب أن يكون موضوع الإدارة هو الأداء والسلوك، وليس المشاعر والعلاقات. على سبيل المثال، يجب انتقاد "لقد ارتكبت ثلاث أخطاء في تقريرك هذا الشهر بسبب الإهمال"، وليس "لأنك في علاقة عاطفية، لذا فأنت غير مركز".
3. التقليل من فوائد الإدارة "الإنسانية" على المدى الطويل. لقد تخلت شركات التكنولوجيا الرائدة مثل جوجل ومايكروسوفت منذ فترة طويلة عن سياسة حظر العلاقات العاطفية في المكتب، وبدلاً من ذلك تطلب من الموظفين تقديم "إفصاح عن تضارب المصالح". أي، إذا كان هناك ارتباط بين الطرفين في علاقة عاطفية في سياق علاقة عمل، ستقوم الشركة بتعديل خطوط التقارير أو تقسيم المشاريع لتجنب المخاطر. هذه الممارسة تحمي مصالح الشركة، وتعكس الاحترام والثقة تجاه الموظفين، وتعزز شعور الانتماء والولاء لدى الموظفين. على العكس، فإن ثقافة الشركات التي تتجسس على الحياة الخاصة للموظفين وتفرض العقوبات بسهولة، ستؤدي حتماً إلى هجرة المواهب.
ثالثاً، الحقوق والتوازن: بناء إطار عقلاني للعلاقات الشخصية في مكان العمل
جوهر هذه القضية هو صراع بين سلطة الإدارة وحقوق الأفراد. يجب علينا البحث عن نقطة توازن مع الاعتراف بأن كلاهما لهما شرعية.
· واجبات وحقوق الموظف: يجب على الموظف الالتزام بالقواعد المعقولة، وتقديم عمل مؤهل، والحفاظ على الحقوق القانونية للشركة. في الوقت نفسه، كموظف، يجب احترام وحماية حقوقه الأساسية مثل حرية الزواج والعلاقات، وحق الخصوصية. لا يمكن أن يؤدي توقيع عقد العمل إلى جعله "عبدًا للشركة".
· سلطة الشركة وحدودها: للشركة الحق في وضع القواعد للحفاظ على النظام التشغيلي، والحد من المخاطر، وحماية ممتلكاتها ومصالحها التجارية. ولكن يجب ممارسة هذه السلطة ضمن الإطار القانوني، ووفقاً لمبدأ التناسب (أي أن التدابير المتخذة يجب أن تتناسب مع الأهداف المراد تحقيقها). يجب أن يكون الفصل هو "الوسيلة الأخيرة" لحل النزاعات العمالية، وليس "الأداة الأولى".
لذلك، يجب أن يكون الإطار العقلاني كما يلي:
1. القواعد مقدمة، واضحة وشفافة: يمكن للشركات وضع سياسات للإفصاح عن العلاقات العاطفية في مكان العمل، خاصة في الحالات التي توجد فيها تضارب مصالح بين الرؤساء والمرؤوسين، أو في التدقيق، أو الرقابة. يجب أن تركز القواعد على "الشفافية" و"تجنب المخاطر"، وليس "الحظر".
2. التركيز على الأداء، التعامل مع الأمور وليس الأشخاص: يجب أن تستند تقييمات الأداء بشكل صارم إلى الإنتاجية وسلوك العمل، دون ارتباط بتفضيلات المديرين الشخصية أو الحياة الخاصة للموظفين.
3. العدالة الإجرائية، ضمان حق الدفاع: حتى إذا كان الموظف قد ارتكب انتهاكات جسيمة بسبب مسائل تتعلق بالعلاقات العاطفية، يجب أن تمر العملية عبر تحقيق عادل، وسماع، وتحذير، وما إلى ذلك، لضمان حقه في الدفاع، قبل النظر في ما إذا كان قد وصل إلى معايير الفصل.
الخاتمة: نحو حضارة مهنية ناضجة وعقلانية
بناءً على ما سبق، فإن فصل الموظف مباشرة بسبب "تأثير العلاقات العاطفية على العمل" هو تصرف متسرع، عاطفي، ومن المحتمل أن يكون غير قانوني. إنه يشوه الحق في الفصل الممنوح قانونياً، ويكشف عن بساطة وغلظة التفكير الإداري في الشركات.
يجب أن تكون الشركة الحديثة والناضجة ليست سجناً يحاول تقييد المشاعر، بل كائنًا قادرًا على فهم تعقيد الطبيعة البشرية، وإدارة ذلك من خلال أنظمة وثقافات سليمة. إن حكمة إدارتها لا تكمن في كيفية اكتشاف ومعاقبة "الشؤون الخاصة" للموظفين، بل في كيفية بناء نظام قوي يضمن كفاءة العمل والعدالة حتى في وجود علاقات شخصية متنوعة، من خلال قواعد واضحة، وعمليات مهنية، وثقافة ممتازة.
بالنسبة للعاملين، من الضروري فهم حقوقهم الممنوحة قانونياً؛ وبالنسبة للمديرين، يجب أن يتذكروا: أن أعلى درجات الإدارة هي تحفيز النوايا الحسنة، وليس خلق الخوف. في التوازن بين المشاعر والقانون، لا يمكن أن تقودنا سوى الاحترام، والعقلانية، والعدالة الإجرائية لبناء بيئة عمل أكثر صحة، وأكثر حضارة، وأكثر كفاءة.